حكمة نزول
القرآن منجما
۱–
الحكمة الأولى : تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وقد
أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه الحكمة في قوله :
- وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖوَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴿٣٢﴾ÇÌËÈ ۱
- ويندرج
تحت هذه الحكمة كثير :
·
إخبار أن ما
جرى له من الأذى والتكذيب قد جرى للأنبياء السابقين من قبله.
- قوله
تعالى : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ
مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ
نَصْرُنَا ۚ4 ٢
- قوله
تعالى : فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ
مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴿١٨٤﴾ ٣
- ومن
طبيعة البشر أن المصيبة تخف إذا كانت عامة ، وتكون أشد إذا كانت خاصة ، هذا في
الدنيا دون الآخرة.
- وإعلام
الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن ما جرى له قد جرى للأنبياء السابقين من
أسباب تثبيت قلبه وتجدد عزمه.
·
أمر الله
تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر.
- فأمر
الله سبحانه وتعالى لنبيه (ص) بالصبر من أقوى الأسباب لتثبيت قلبه سيما أن الأمر
بالصبر كان مقترنا أحيانا بإخباره أن ما جرى له قد جرى للأنبياء السابقين، وأنهم
صبروا.
- قال
تعالى : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ
مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ
نَصْرُنَا ۚ٤
- قال
تعالى : فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ
أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ٥
- هكذا
كانت آيات القرآن تنزل على رسول الله (ص) تباعا تسلية له بعد تسلية ، وعزاء حتى لا
يأخذ منه الحزن مأخذه ، ولا يجد اليأس إلى نفسه سبيلا.
·
نهيه عن الحزن
والضيق.
- وذلك
أن حبس النفس بالحزن، والتضييق عليها بالهم من أقوى الدواعي لفتورها ويأسها.
- فنهى
الله نبيه عن الحزن والضيق من مكرهم وما يلاقيه من أذاهم.
- قال
تعالى : وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ ٦
- قال
تعالى : وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿٧٠﴾٧
- قال
تعالى : فَلَا
يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿٧٦﴾٨
·
إخباره بأن
الله يعصمه من الناس.
- فأخبره
الله بالعصمة من ذلك : وَاللَّـهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ۹
- فكانت
هذه البشرى من أعظم الدوافع إلى الاستمرار في الدعوة.
- ويجد
الرسول صلى الله عليه وسلم أثر هذه البشرى في كثير من الصور والمشاهد :
أ) حين اجتمع صناديد قريش وقبائل العرب عند بابه ليضربوه ضربة رجل
واحد ، قيتفرق دمه في القبائل ، فخرج من بين صفوفهم ، وجعل فوق رؤوسهم التراب ولم
يره أحد۱٠ وَاللَّـهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ
ب)
ويأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاة مسمومة أهدتها إليه يهودية ،
فيموت صاحبه وينجو هو من الموت۱۱ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ
ت)
وحاول اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم بإلقاء حجر من جدار كان الرسول
صلى الله عليه وسلم جالسا تحته ، فجاءة الوحي بذلك فقام من مجلسه ۱۲ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ
·
تبشيره بالنصر
والتمكين.
- والوعد
بالنصر والتمكين بعد الإخبار بالعصمة من أدعى الدواعي لتثبيت القلب وتجدد العزم.
- قال
تعالى : كَتَبَ
اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٢١﴾ ۱۳
- قال
تعالى : وَكَانَ
حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٧﴾۱٤
- قال
تعالى : إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾۱٥
۲–
الحكمة الثانية : تيسير حفظه وفهمه
- نزل
القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف الكتابة ولا القراءة وكانت ذاكرتها وحفظها هما
السجل لها ، لا دراية لها بالكتابة حتى تكتب وتدون ثم تحفظ.
- قال
تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ
فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢﴾۱٦
- وكان
نزوله مفرقا خير عون لها على حفظه في صدروها وفهم
آياته.
- كلما
نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة ، وتدبروا معانيها ، ووقفوا عند أحكامها ،
واستمر هذا منهجا للتعليم في حياة التابعين.
٣–
الحكمة الثالثة : مسايرة الحوادث
- كانت
الآيات تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب حاجة المجتمع أو جوابا عن
الأسئلة ليرشدهم إلى الحق ويدلهم إلى الصواب.
- فكان
في نزول القرآن منجما مسايرة لهذه الحوادث والوقائع ، وعلاج لما يطرأ في حياة
المسلمين من قضايا ومشاكل.
- ولهذه
الحوادث والوقائع صور متعددة نذكر منها :
· الإجابة
على ما يطرأ من أسئلة.
- وهذه
الأسئلة تقع من الكفار والمشركين للتثبت من رسالته وامتحانه ، أو لتعجيزه بزعمهم ،
وتقع من المسلمين لغرض معرفة الحق والعمل به.
- وتكون
هذه الأسئلة أيضا عن أمور :
- ماضية
و أحداث سابقة مثل السؤال عن الروح و أصحاب الكهف و ذي القرنين.
- حاضرة
مثل السؤال عن الخمر والميسر و المحيض وغير ذلك.
- مستقبلة
مثل السؤال عن الساعة.
· مجاراة
الأقضية والوقائع في حينما ببيان حكم الله فيها عند حدوثها.
- حادثة
الإفك ، وهي الحادثة التي رمى فيها نفر من المنافقين وتبعهم بعض المسلمين عائشة
رضي الله عنها بما برأها الله منه في القصة المشهورة.
- سؤال
خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظاهر منها زوجها
أوس بن الصامت.
·
تنبيه
المسلمين إلى أخطائهم وإرشادهم إلى الصواب والكمال.
- فهذه
الأخطاء كانت تقع في أوقات مختلفة ، فكان من الحكمة أن ينزل القرآن في وقت وقوعها
لإصلاحها حالا.
- فيكون
ذلك أوقع في نفوسهم وأنفع في الإرشاد والتعليم.
·
كشف حال
المنافقين وهتك أستارهم حتى يحذرهم المسلمون ويأمنوا مكرهم وشرهم.
-
أنزل الله في المنافقين سورة كاملة سماها باسمهم سورة
(المنافقون).
-
وهناك أيضا الآيات الكثيرة في سورة التوبة التي تحدثت عن المنافقين.
·
رد شبهات أهل
الكتاب وإبطال كيدهم للإسلام والمسلمين.
٤– الحكمة الرابعة : التدرج في التشريع و
تربية الأمة
- جاءت
الأحكام والتشريعات متدرجة حسب طاقة الأمة وما تقتضيه الحكمة الإلهية.
- فجاء
نزول القرآن منجما مطابقا تمام المطابقة لما فيه الحكمة.
- بدأ
نزول القرآن في آياته الأولى في تربية الصحابة خاصة ومشركي قريش عامة بتركيزه على
توحيد الله والإيمان به ، وبدار الجزاء بعد الموت.
- ثم
انتقل إلى العبادات بأن فرض عليهم الصلاة في العام العم العاشر من البعثة.
- ثم
فرض عليهم الزكاة والصوم بالمدينة المنورة في العام الثاني من الهجرة.
- ثم
الحج في العام السادس.
- وأيضا
تدرج القرآن في تحريمه الخمر على المسلمين في أربع مراحل.
٥–
الحكمة الخامسة : التحدى والإعجاز
-
المشركون
تمادوا في غيهم وبالغوا في عتوهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحد يمتحنون بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في نبوته ، ويسقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم ،
كعلم الساعة : يَسْأَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ ۱٧
-
فيتنزل القرآن
بما يبين وجه الحق لهم ، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم ، كما قال تعالى : وَلَا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴿٣٣﴾ ۱٨
- أي
ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق ، وبما هو
أحسن معنى من تلك الأسئلة التي هي مثل في البطلان.
٦–
الحكمة الرابعة : الدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد
- أن
القرآن نزل مفرقا على مدى عشرين سنة حسب الوقائع والأحداث ، ومع طول هذه الفترة ،
كانت تنزل منه الآية والآيات الكثيرة ، والآيات القليلة على اختلاف الموضوعات ومع
ذلك كان أسلوبه أسلوبا واحدا لم يتغير في فصاحته وجزالته وقوته ،فأسلوب واحد ،
مترابط بعضه ببعض ، لا انفكاك فيه متناسق الآيات والسور كأنه عقد واحد. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾۱۹
- فلو
كان من كلام البشر وقد قيل في مناسبات كثيرة ، وموضوعات مختلفة متباينة ، لوقع فيه
التفكك والانفصام. قال تعالى : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴿٨٢﴾٢٠
الهوامش :
۱) الفرقان : ٣۲
۲) الأنعام :٣٤
٣) آل عمران : ۱٨٤
٤) الأنعام :٣٤
٥) الأحقاف : ٣٥
٦) النحل : ۱٢٧
٧) النمل :٧٠
٨) يس :٧٦
۹) المائدة :٦٧
۱٠) سيرة ابن هشام ،ج۱ ، ص۱۲٧ ، وتفسير
ابن كثير ، ج٣ ، ص٦۲٠ ، ودلائل النبوة : البيهقي ، ج۲ ، ص٤٦٦–٤٧٠.
۱۱) سنن أبي داود ، ج٤ ، ص۱٧٣–۱٧٥.
۱۲) سيرة ابن هشام ، ج٣ ، ص۱۹۹–۲٠٠ ،
والبداية والنهاية : ابن كثير ، ج٤ ، ص٧٥.
۱٣) المجادلة : ٢۱
۱٤) الروم : ٤٧
۱٥) النصر :۱
۱٦) الجمعة :۲
۱٧) الأعراف : ۱٨٧
۱٨) الفرقان : ٣٣
۱۹) هود :۱
۲٠) النساء :٨۲
المصادر و المراجع :
۱) القطان ،
مناع (٢٠٠٠م) مباحث في علوم القرآن ، الطبعة الثالثة ، الرياض ،
مكتبة المعارف ، ص۱٠٧–۱۱٧.
۲) الرومي ،
أ.د/ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان (۱٤۲٦ه) دراسات في علوم القرآن الكريم
، ط۱٤ ، الرياض ، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية ، ص۲۲٧–۲٤٤.
٣) عبد الكريم
توري و رابعة العدوية بنت محمد (٢٠۱٣م) فيض الرحمن في بيان علوم القرآن
، ط۱ ، الماليزي ، وحدة النشر جامعة العلوم الإسلامية الماليزية ، ص٤۹-٥٦.
٤) محمد عمر حويّه (٢٠۱٣م) نزول القرآن الكريم
وتاريخه وما يتعلق به، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف www.qurancomplex.com
No comments:
Post a Comment